Thursday, June 5, 2008

مذكرات ميت


استيقظت مبكرا اليوم
الساعه السابعه والنصف
عندى موعد هام مع رئيس شركه اعمال كبيره
اخيرا سيتعاقد معى لكى تكون عيادتى ضمن العيادات التى تعالج عمال الشركه

سعيد جدا بهذا الاتفاق
فالعياده تعانى من الركود والايراد يقل باستمرار والمصاريف تزداد باستمرار
حمدت الله كثيرا على هذا الاتفاق الذى سينعش عملى

صنعت كوب شاى ووضعته بجانبى واستلقيت على كنبه فى غرفة المعيشه اتصفح الجريده كعادتى كل صباح

فجأه اتانى شعور غريب لم اجربه سابقا
زغلله بسيطه ثم شعور غريب بخفه فى وزن اطرافى الذراعين والساقين
ببساطه لم اهتم وعاودت القراءه فى الجريده

ثم فجأه شعرت انى لست وحيدا فى الغرفه
شعور قوى جدا ان هناك من ينظر الى من طرف الغرفه
اعتدلت بهدوء ونظرت فوجدت شيخا مبتسما جالسا على المقعد امامى

غريبه
كيف دخل؟
كيف لم اشعر به؟
الاغرب
لماذا لم ارتاع او اخف منه؟
لماذا يبدو هكذا ودودا ورقيقا وضاحكا

بعد صمت قليل فاجأنى الشيخ
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
رددت سريعا
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

قال الشيخ والابتسامه لا تفارقه
يا عبد الله ارسلنى ربك وربى وهو لا يرسلنى الا لمن يختار من عباده الصالحين

ابتسمت وقلت
اكرمك الله با شيخنا
لكن ماذا تعنى؟

قال الشيخ بعطف
يا عبد الله لم يعد لك رزقا فى هذه الدنيا

رنت الكلمه فى عقلى بشده
ماذا يعنى؟
هل هى خدعه؟
هل هى دعابه؟

الفكره اقتحمت عقلى بدون تردد
هل انا اموت؟؟؟

صحت بهلع
يا شيخ
هل انا اموت؟

رد الشيخ بحنان
لم يعد لك رزقا فى هذه الدنيا

تملكنى رعب لا آخر له
تزلزلت نفسى وارتجت روحى ومادت بى الافكار
ابنى اول عام له فى الجامعه وهو مغترب فى طنطا ويحتاجنى بشده ماذا سبفعل اذا رحلت؟
ابنتى الضعيفه الرقيقه صاحبة النفسيه الملائكيه المرتبطه بى ارتباطا كبيرا ستقوم حالا لمدرستها ماذا سنفعل اذا رحلت؟
ابنى الصغير فى ابتدائى من سيربيه من سيعتنى به ماذا سيفعل من غيرى؟

نطقت بصوت متهدج ضعيف متوسل مسترحم
يا شيخ
امهلنى

ابنائى ضعاف يحتاجونى


رد الشيخ بعطف
لم يعد لك رزقا فى هذه الدنيا


رددت وانا قريب من البكاء
يا شيخ لا اريد رزقا
اريد وقتا قليلا ارتب امور اولادى واوصى عليهم من يعتنى بهم

رد الشيخ
يا عبد الله
هل تظن ان رزقك فى الدنيا مكاسب وارباح
ان كل ذره هواء دخلت صدرك هى رزق لك كتبه الله لك من الازل
ان كل لقمة دخلت جوفك هى رزقك الذى ما كان ليدخل جوف احد غيرك ابدا
كل طاقه حركت بها يدك او ساقك هى رزق من الله ادركه الله وقدره لك فى علمه الالهى
كل صوره ومشهد رأته عينك وكل صوت سمعته اذنك فى هذه الدنيا كلها قٌدرات من رزق الله الذى رزقك به

يا عبد الله
كل شئ انتهى
لم يعد لك رزقا فى هذه الدنيا

اسقط فى يدى
انها النهاية

جاءت بغته كما قال لنا الله
انه الموت الذى تذوقه كل نفس كما اخبرنا الله
انا فى الاربعينات من عمرى
لكن ماذا يعنى هذا؟
الحقيقه ان مشوارى انتهى


كيف لم اتخيل ابدا ان النهايه قريبه هكذا؟
كيف لم افهم ابدا ان الدنيا قصيره هكذا؟
كيف شهدت من ماتوا امامى من كبار وصغار ولم اتخيل ابدا انى لاحق بهم قريبا؟
كيف حضرت دفن من ماتوا من الاقرباء والاصدقاء والزملاء ولم اتخيل نفسى محمولا مكانهم؟


شعر الشيخ بما يعترينى
قال لى برقه
لا تبتئس با عبد الله
تفاءل واثبت

لم تكن ابدا ترعى احد ولم تكن ابدا تعتنى باحد
كنت فقط وسيله من وسائل الله استعملك ليعتنى هو بعباده زوجتك وابناءك
حبك لهم ورحمتك بهم ورأفتك عليهم قذفها الله فى قلبك حتى يعتنى هو بهم باستخدامك
اتركهم يا عبد الله وانت قرير العين فهم كانوا فى رعاية الله ولا يزالون

يا عبد الله
انا آخر هدية من ربك
جئت اثبتك ولا آتى للكثيرين

يا عبد الله اجبنى
من ربك؟
قلت
الله

قال
ما دينك؟
قلت الاسلام

قال
من نبيك؟
قلت
محمد بن عبد الله

قال الشيخ
يا عبد الله
ناداك ربك
هيا لبى النداء
لبى حالا طوعا او كرها

هتفت باكيا
لبيك اللهم لبيك
لبيك اللهم لبيك

طوعا يا رب

طوعا يا رب

غامت المرائى فى عينى
التصق الليل بالنهار
انوار تضئ وتطفئ بسرعه كبيره
ارتج الكون كله
رأيته ينهار على نفسه
يد الله تطويه وتكوره

وانا انتقل
ليس فقط من مكان لمكان
ولكن من حالة الى حالة
من قوانين لقوانين
من نظام لنظام

هول
هول
هول

صرت اصرخ واصرخ واصرخ
بدون توقف

الله ربى
الاسلام دينى
محمد رسول الله نبيى


هكذا تخيلت آخر صفحه من مذكرات صديقى الذى مات شابا
تخيلتها وانا فى حفل خطبة ابنته التى رعاها الله بعده